// :: هكذا كانوا في الليل ,,,,,,, فهل نكون ؟؟!!!! :: //
الليل المظلم مشرق الأنوار , والصمت المطبق معطر لآيات القران , السكون الموحش مبدد بانحناء الأصلاب وسجود الجباه , والجفاف اليابس مبلل بدموع الأسحار , قلوب خاشعة , وأنفس زكيه وألسن ذاكره , وأعين ساهرة , وجباه ساجدة , وجنوب مجافيه , إنه مساء الصالحين وليل العابدين ولذة المتضرعين انه أنس المنفردين وحب المخلصين , إنها مجاهدة السالكين ومكابدة المرابطين , الله اكبر ما أروع هذا الليل وما أحبه وما أمتعه وما أروعه .
أين هذا الليل من نوم طويل وركون ثقيل وغفلة تامة ؟؟ شتان شتان بين السمو والدنو وبين الثرى و الثريا .
إنه قيام الليل أيها النائمون , اسمعوا النداء ممن عمروه بالطاعات وملئوه بالصلوات فهذا " زمعه العابد " كان يقوم فيصلي ليلا طويلا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكلَّ هذا الليل ترقدون ؟ ألا تقومون فترحلون ", فإذا طلع الفجر نادى :" عند الصباح يحمد القوم السرى " سبحان الله ما أعظم عبادتهم.
فأين نحن منهم ؟؟!!!!!
هيا فلنحلق لأريكم ليلهم , بل دعوني وإياكم نقضي ليله معهم , هذا أبو هريرة " إنه كان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثا , يصلي هذا ثم يوقظ هذا " فالليل كله صلاة ومناجاة , ودموع وخشوع , وذكر وشكر , والشعار لا للفرش الوثيرة والنوم اللذيذ , إنهم الموصفون بأبلغ قول وأعظم صوره في قوله تعالى : {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا }
تأملوا هذا الحوار مع الفراش حيث كان عبد العزيز بن أبي داوود " يُفرش له فراشه بالليل فكان يضع يده على الفراش وتحسسه ثم يقول : ما ألينك , ولكن ,,,, فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته " نعم هؤلاء القوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ بما هو أروح منه وأمتع , مشغولين بالتوجه إلى ربهم وتعليق أرواحهم وجوارحهم به , ينام الناس وهم قائمون ساجدون , ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ذو الجلال والإكرام .
وهذا أبو سليمان الداراني - رضي الله عنه – يبين هذا الشعور بقوله " أهل الليل بليلهم ألذ من أهل اللهو بلهوهم, ولولا الليل ما أحببتُ البقاء في الدنيا, ولو لم يعط الله تعالى أهل الليل في ثواب صلاتهم إلا ما يجدون من اللذة فيها لكان الذي أعطاهم أفضل من صلاتهم .
في ظلمة الليل للعباد أنورا *** منها شموس ومنها فيه أقمار
تسري قلوبهم في ضوئهن إلى *** ذاك المقام ومولاهم لهم جار
تخالهم ويك موتى لا حراك بهم *** وهم مع الله إقبال وإدبار
إن ينطقوا فتلاوات وأذكار **** أو يسكنوا فاعتبار وأفكار
مستيقظين لذي الذكرى فكلهم **** لذا التذكر أسماع وأبصار
لم يستثقلوا القيام لأن النفوس راغبة والنوايا صادقة والخشية غامرة واعلم بأنه " إذا قوي الباعث وكثرت الرغبة وعظمت الرهبة نشطت النفس وبذل الجسد وذل الصعب وهانت المئونة "
وإليكم الترجمة العملية لذلك فيما قاله رجل لحممه العابد : " ما أفضل عملك ؟؟ فقال : " ما أتتني صلاة قط إلا وأنا مستعد لها ومشتاق إليها [ انظروا هنا يشتاقون إلى الصلاة فأين نحن من ذلك ] , وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت إذا انصرفت منها أشْوقُ إليها مني حيث كنت فيها , ولولا أن الفرائض تقطع لأحببت أن أكون ليلي نهاري قائما راكعا ساجدا " .. ذلكم والله هو الشوق والتعلق, وهذا هو الذوق والتعبد , قلوب للعبادة ظامئة, ترتشف ولا ترتوي تزيد ولا تحيد , نفوس بالذكر متلذذة , تغترف ولا تنصرف , تنصب ولا تتعب .
سبحان الله لأمر ما سهروا ليلهم, ولأمر ما خشعوا نهارهم .. ينتصبون لله على أقدامهم ويفترشون وجوههم سجدا لربهم تجري دموعهم على خدودهم فَرَقَا من ربهم, قدوتهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وقد خاطبه ربه:
{ يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا}وناداه مولاه: { ومن الليل فتهجد به نافلة لك }, فقام ليله بلا مزيد عليه, وسُئل عن إتعاب نفسه وقد تورمت قدماه فقال – وما أعظم ما قال - : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) ؟!!
نعم هكذا كانوا بل وأكثر وان أردنا حصر حبهم لله وشوقهم له فحالهم يطول وصفه,, والسعيد من اقتدى بهم ,, ولي ولكم أقول :
"هكذا كانوا,,,,,,,,,, فهل نكون ؟؟!!!"
لكم خالص تحياتي